استراتيجية «الدولة الإسلامية» في تركيا

الأحد 1 نوفمبر 2015 04:11 ص

على الرغم من أن التحقيقات لم تنته بعد، فإن السلطات التركية تشتبه في أن «الدولة الإسلامية» كانت مسؤولة عن تفجيرات 10 أكتوبر/ تشرين الثاني في أنقرة، والتي قتل فيها أكثر من 100 شخص.  ويعتقد أن انتحاريين اثنين هما جزء من الخلية المسؤولة عن الهجومين اللذين وقعا في تركيا هذا العام. قرار تركيا بالانضمام إلى التحالف المناهض للدولة الإسلامية قد أوقعها في مرمى تهديد متزايد من قبل التنظيم، بسبب وجوده المكثف داخل البلاد ووجود عدد كبير من الأتراك ضمن صفوفها إضافة إلى جاذبيتها المتنامية للمتطرفين الإسلاميين الأتراك من ذوي الأصول الكردية.

في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم السبت الموافق 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، تجمع الآلاف خارج محطة السكك الحديدية الرئيسية في أنقرة للانضمام إلى مظاهرة للسلام، حين قام انتحاريان يقفان على بعد 60 قدم في وسط الزحام بارتكاب الهجوم الإرهابي الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث. كل من المهاجمين كان يرتدي حزاما ناسفا يزن حوالي 10-15 رطلا من مادة تي إن تي مختلطة مع مفجر آر دي إكس إضافة إلى 30 -40 رطلا من كرات الصلب: تم قتل 102 شخص إضافة إلى 160 جريحا، العشرات منهم كانوا في حالات خطيرة، بينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم.

كانت المظاهرة منظمة من قبل حزب الشعوب الديموقراطي الكردي،  بصحبة أعضاء قياديين في المجتمع العلوي والأحزاب اليسارية بما في ذلك الحزب الاشتراكي (ESP،) وذلك للاحتجاج على سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه حزب العمال الكردستاني والدعوة لوقف فوري لإطلاق النار.

المسؤولون عن هجوم أنقرة يبدو أنهم يهدفون عمدا إلى كسر نقطة أساسية في الجسم السياسي التركي، حيث تم تسييس مسالة المسؤولية عن الهجوم التي صارت موضعا لتبادل الاتهامات الغاضبة بين الحكومة والجماعات المسؤولة عن تنظيم المسيرة. ومع ذلك بدأ المحققون في العمل على تحديد منفذي التفجيرات باستخدام بيانات قادمة من التحقيق في مسرح الجريمة، وتقارير الطب الشرعي، والأشرطة التليفزيونية وسجلات الهاتف الخلوي.

كان التفجيرات شبيهة بالهجمات التي لم يعلن طرف بعينه مسؤوليته عنها على التجمعات الموالية للأكراد في ديار بكر يوم 5 يونيو/ حزيران، وتفجيرات سروج في يوم 20 يوليو/تمز، والتى ألقت السلطات اللوم بشأنها جميعا على «الدولة الإسلامية». وأشار نائب رئيس الوزراء التركي «نعمان كورتولموش» إلى التشابه في الأهداف، واستخدام المفجرين الانتحاريين، وتركيب الأحزمة الناسفة (المزيج بين تي إن تي وآر دي إكس) في كل من هجمات سروج وأنقرة.

خلية دوكوماشي

في هذه المرحلة، يعتقد المحققون أن خلية للدولة الإسلامية، والتي كانت ضالعة في الهجمات السابقة، قامت أيضا بتفجيرات أنقرة. تتألف الخلية المعرفة باسم «خلية دوكوماشي» من 15 من الأتراك الأكراد يزعم أنه تم تجنيدهم في مدينة آدييامان بجنوب تركيا من قبل «مصطفي دوكوماشي»، وهو رجل دين تركي كان يدير محلا للشاي كان بمثابة نقطة تجمع للمتطرفين السلفيين. وقال مسؤول أمني في أنقرة أنه يعتقد بأن «دوكوماشي» قد قام بعدة رحلات بين سوريا وتركيا بين عامي 2013 و 2014 حيث تواصل مع تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك. في مرحلة ما بعد زيارته الأخيرة إلى سوريا في أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2014 فقدت وكالات الاستخبارات التركية مساره على الرغم من أنهم يعتقدون أنه تم اعتقاله من قبل وحدات حماية الشعب الكردي بالقرب من تل أبيض.

في 19 أكتوبر/ تشرين الثاني، قال رئيس الوزراء التركي «أحمد داوود أوغلو» أن السلطات التركية أكدت هوية أحد الانتحاريين من خلال فحص الحمض النووي ولا تزال التحقيقات حول هوية الثاني مستمرة. وقال: «نحن نحاول استكشاف العلاقات بين الهجمات على سروج وأنقرة وديار بكر».

في نفس اليوم أعلن الادعاء العام اسم أحد الانتحاريين ويدعى «يونس إمري ألاجوز »، وقالوا إن المهاجمين قد دخلوا من خلال أحد الدول المجاورة مما يعني أنها قد جاءا من سوريا. كان «ألاجوز» هو أحد من تم تجنيدهم من قبل «دوكوماشي» في آدييامان. وفقا لتقارير وسائل الإعلام التركية، فقد تم التعرف عليه من خلال تحليل الحمض النووي وبعض اللقطات التليفزيونية المفرغة لما قبل الهجوم. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الانتحاري الآخر ربما يكون أجنبيا ويرجح أنه وصل أيضا عبر سوريا.

في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، قامت السلطات التركية باعتقال 4 أشخاص بدعوى تعلقهم بالهجوم وقد وجهت لهم تهم «تصنيع العبوات الناسفة بقصد القتل» و«محاولة عرقلة النظام الدستوري». واحد من الذين ألقي القبض عليهم اعترفوا بالقيام بمرافقة «إمري ألاجوز» وشخص آخر إلى أنقرة مقابل المال. وقد ادعى أنهما كانا مجهزين بأسلحة متفجرة وأن «ألاجوز» قد أكد أن حزب الشعوب الديموقراطي هو المستهدف بالهجوم.

كان «ألاجوز» صديقا مقربا لـ«أورهان غازي جوندر» المسجون الآن على ذمة قضية زرع القنبلة في ديار بكر في 5 يونيو/ حزيران والتي أودت بحياة 4 أشخاص. أحد الأخوة الأصغر سنا لـ«ألاجوز»، ويدعى «عبد الرحمن»، كان الانتحاري المشتبه به في تفجيرات 24 يوليو/ تموز الذي تسبب في مقتل 34 من النشطاء اليساريين معظمهم من الأكراد في سروج. قبل 5 أيام من تفجيرات أنقرة ذكرت العديد من وسائل الإعلام التركية أنه تم القبض على مائة من المتشددين المنتمين لتنظيم «الدولة الإسلامية» والذين دخلوا إلى تركيا في سبتمبر/ أيلول بهدف ارتكاب هجمات. ووفقا لمسؤول أمني في أنقرة، فإن «يونس ألاجوز» قد سافر إلى سوريا للانضمام للدولة الإسلامية، وحتى قبل حدوث التفجيرات بأيام قليلة فإنه يرجح أنه كان لا يزال هناك.

في يوليو/ تموز من عام 2015، اعترضت قوات الأمن التركية مكالمة هاتفية بين «يونس ألاجوز» وشقيقه الأصغر «يوسف» الذي حاول تجنيده للقدوم إلى سوريا. في وقت لاحق من ذلك الشهر، اعتقل «يوسف» لفترة وجيزة. في استجوابه من قبل الشرطة التركية كشفت أن أخي «يونس» قد قضى وقتا في أفغانستان بين عامي 2009 و 2010 وسافر إلى سوريا في أوائل عام 2015.

وكانت شبكة «دوكوماشي» موضوعة على رادار قوات الأمن التركية والمخابرات منذ عام 2013. وفي يوليو/ تموز من عام 2014، تم إدراج المشتبهين في تفجيرات أنقرة إضافة إلى «مصطفى دوكوماتشي» في نشرة تم تعميمها من قبل قسم شرطة آدييامان إلى جميع وحدات الأمن في تركيا. وهذا مما يثير المخاوف حول ما إذا كان هناك أعضاء آخرين في الخلية بإمكانهم شن هجمات خلال الأسابيع المقبلة، وحول لماذا لم تتمكن أجهزة الأمن التركية من منع الهجمات.

أحد الأسباب المحتملة لذلك هو ربما أن تركيز أجهزة الأمن التركية طالما كان مركزا تريخيا ومؤسسيا على حزب العمال الكردستاني، ولم يتحرك بقوة لتفكيك شبكات «الدولة الإسلامية» سوى في صيف عام 2015. وعلى سبيل المثال، في 9 يوليو/تموز اعتقل مسؤولون أمنيون في أنقرة 30  من المشتبه بهم الذين يعتقد أنهم سهلوا السفر إلى سوريا والعراق لمجندين من الاتحاد الأوربي. في وقت لاحق من ذلك الشهر، اعتقلت السلطات التركية مجموعة أخرى تشتبه أن لها علاقات مع تنظيم «الدولة الإسلامية». وهناك سبب آخر لعدم نجاح قوات الأمن التركية في مهمتها وهي حقيقة أن «الدولة الإسلامية» قد استفادت من الثغرات والمناطق الرمادية في النظام القانوني التركي بما في ذلك الإجراءات القانونية المطبقة على المسلحين المعتقلين.

استراتيجية «الدولة الإسلامية» في تركيا

منذ الضربات الجوية التركية الأولى ضد «الدولة الإسلامية» في أغسطس/ آب، كان هناك قلق بشأن هجمات انتقامية من قبل المجموعة داخل تركيا. وقد انضم 3 آلاف مواطن تركي إلى «الدولة الإسلامية» في سوريا وأقامت المجموعة شبكة تجنيد في جميع أنحاء تركيا بما في ذلك المنازل الآمنة في العديد من المدن التركية مثل اسطنبول. نشطت «الدولة الإسلامية» أيضا في تركيا في جمع الأموال للقتال في سوريا وتوفير المنازل لأسر المقاتلين في سوريا وتقديم الدعم اللوجستي لعملياتها من خلال استخدام بعض المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية.

حققت «الدولة الإسلامية» نجاحا خاصا في تجنيد الأكراد ضمن صفوفها. من ضمن 3000 مجند تركي في صفوفها فإن نسبة 65% منهم هم من الأكراد. وكذلك ما يقرب من جميع أعضاء شبكة «دوكوماشي». نظرا للفظائع التي ترتكبها «الدولة الإسلامية» ضد الأكراد في سوريا والعراق فإن جاذبية التنظيم للأكراد في تركيا يبدو أمرا محيرا للمحللين. ولكنه يعكس حقيقة أن العديد من الأكراد يعيشون في جنوب شرق تركيا، وهو الجزء الأكثر تدينا في البلاد. خلال السنوات العشرين الماضية، اكتسب الإسلام السلفي شعبية ملحوظة في جنوب شرق تركيا. الجماعات السياسية والعسكرية العلمانية مثل حزب الشعوب الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني لا تحتكر الدعم الكردي رغم سيطرتها على الكثير من استحقاقات القضية الكردية.

ينضم السلفيون الأكراد إلى «الدولة الإسلامية»، حيث تغلب الحجج الدينية الرسالة القومية الكردية. تدعي «الدولة الإسلامية» أنها لا تعير اهتماما للاختلافات العرقية والقومية، ويعتقد عدد كبير من المتطرفين الإسلاميين من أكراد تركيا أن في حال امتدت «الدولة الإسلامية» إلى المناطق الكردية في تركيا فإن الأكراد سوف يكونون مواطنين كاملي الحقوق في دولة الخلافة. ومن الجدير بالذكر أن الدعايا الخاصة بـ«الدولة الإسلامية» لم تعمد أبدا إلى الإساءة للأكراد كشعب. بعض مناصري التنظيم من الأكراد يجمعون أيضا بين الدوافع القومية والدينية على أمل أن «الدولة الإسلامية» سوف تقيم محافظة كردستان في المناطق الكردية في إيران وسوريا وتركيا.

على الرغم من ارتفاع نبرة العدائية في خطابهم ضد الحكومة التركية لم يعلن قادة «الدولة الإسلامية» بعد الحرب ضد تركيا. كما لم يعلن التنظيم مسؤوليته عن أي هجمات داخل تركيا. في العدد الأول من مجلتها الدعائية التركية «فتح القسطنطينية»، التي نشرت في يونيو/ حزيران، فقد أكدت «الدولة الإسلامية» أنها لا تنظر إلى تركيا باعتبارها دار حرب بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى الغرب. بدلا من ذلك، فإن قادتها على ما يبدو ينظرون إلى غالبية الأتراك كأهداف للتجنيد من خلال الدعاية، كما تنظر إلى تركيا كمركز للتجنيد والخدمات الوجستية والتمويل. ويبدو أن «الدولة الإسلامية» تتبع استراتيجية محسوبة في تركيا، حيث تقوم بتنفيذ العمليات ولكنها لا تعلن مسؤوليتها عنها بالنظر إلى أهدافها البعيدة. مع التركيز على كسب القلوب والعقول، فإن إعلان المسؤولية عن هذه الخدمات يزيد من مخاطر تنفير المؤيدين المحتملين داخل تركيا.

التركيز على كسب القلوب والعقول يتناسب مع تفسير «الدولة الإسلامية» للنبوءات الإسلامية التي طالما كانت قوة دافعة لأهداف المجموعة. وقد جاء في العدد الأول من «فتح القسطنيطينية» أن إسطنبول ابد من فتحها مرة أخرى من قبل "جيوش الإسلام"، ولكنها تؤمن أنها ستفتح، كما ورد في النبوءة، دون قتال أو سفك دماء ولكن فقط بهتافات الله أكبر بعد أن تتحالف جيوش الإسلام مع الرومان في الحرب الكبرى في حلب قرب يوم القيامة.

ولم تعلن «الدولة الإسلامية» أبدا بوضوح أن حزب العدالة والتنمية و«أردوغان» هم من المرتدين الذين يستحقون ضمنا الهجوم. في مقطع فيديو بثه مقاتلون أكراد في سوريا تم نشره على الإنترنت في اليوم التالي لتفجيرات أنقرة، قاموا بتشجيع السنة في أنقرة إنا بالانضمام إلى «الدولة الإسلامية» في سوريا أو البقاء في تركيا من أجل ثورة يعمل حسابها الكفار، ومع ترك المعنى على هذا القدر من الغموض.

وتشير هذه المنشورات وهجوم أنقرة إلى أن «الدولة الإسلامية» تهدف إلى خلق التوتر بين المحافظين السنة وبين باقي التكتلات من خلال استخدام العنف الذي يستهدف لإيجاد نقاط تمزق داخل المجتمع التركي. خطوط الانقسام الرئيسية هي الاختلافات الدينية بين المحافظين السنة والعلويين والعلمانيين، والخلافات السياسية بين المحافظين واليساريين؛ والاختلاف في الظروف الاقتصادية بين البرجوازية الصاعدة والفئات المهمشة التي يغضبها الانتشار الواسع للفساد. استراتيجية «الدولة الإسلامية» في تركيا لا تختلف عن استراتيجيتها باستهداف الشيعة في العالم العربي، والتي تهدف إلى إثارة التوتر السني الشيعي بهدف توظيفه والاستفادة منه.

ويأمل قادة «الدولة الاسلامية» أن يتمكنوا في نهاية المطاف من استقطاب عدد كاف من السنة الأتراك وأن تكون قادة على تشويه سمعة حزب العدالة والتنمية الحاكم وفي النهاية إسقاط النظام واستخدام البلاد كقاعدة للجهاد. نظرا للضغط متزايد على «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، فإن توسيع دعمها ووجودها في تركيا من المرجح أن ينظر إليه من قبل القيادة في التنظيم على أنه أمر مرغوب فيه للغاية. بخلاف كونه، ووفقا للنبوءات التي يؤمنون بها، فإنه أمر ربما يكون مقدرا في مصيرهم.

 

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية تركيا حزب العدالة والتنمية أردوغان

الادعاء التركي يؤكد وقوف «الدولة الإسلامية» خلف تدبير اعتداء أنقرة

«ستراتفور»: تفجيرات أنقرة تعمق مأزق العدالة والتنمية في تركيا قبيل الانتخابات

ارتفاع ضحايا تفجيري أنقرة إلى 86 قتيلا و186 جريحا

«أتلانتيك كاونسل»: الأهداف المتباينة لحرب تركيا ضد «الدولة الإسلامية» و«حزب العمال»

«ستراتفور»: هل يمكن أن نشهد تدخلا بريا تركيا في شمال سوريا؟

قتيل جراء قصف مصدره سوريا على بلدة تركية.. والجيش يرد على مصدر النار