«يحيي العسيري» .. ضابط سلاح الجو السعودي الذي أصبح ناشطًا في حقوق الإنسان

الأربعاء 18 مارس 2015 06:03 ص

«يحيى العسيري» ضحى بالكثير من الأشياء القيمة في حياته، فمن ضابط ثري في سلاح الجو السعودي، أصبح الآن يعيش كلاجئ سياسي في المملكة المتحدة، ويدير منظمته الخاصة لحقوق الإنسان، من خلال شبكة سرية من النشطاء الذين يعملون داخل المملكة السعودية.

أمضى «يحيى» سنوات طويلة وهو يعيش حياة مزدوجة في المملكة العربية السعودية، ففي ساعات النهار كان يعمل على صفقات الأسلحة الدولية للجيش السعودي، أما ليلاً فيدخل عالم الإنترنت ليناقش في المنتديات مشاكل الفقر والبطالة والقمع، هذه الحياة كانت تشكل خطورة عليه، وكان كلما شاهد اعتقال النشطاء الذين من حوله، كلما ازداد يقينه بأن مصيره سينتهي إما معتقلاً في السجن أو مجبرًا على الهرب، وكون الخيار الأخير كان أكثر جاذبية له، قام بالاستقرار مع زوجته وطفليه الصغيرين في برمنغهام – إنجلترا.

بملابسه الأنيقة وحديثه المهذب وتوتره في البداية، جلس «يحيى» في مكتب صحيفة «ميدل إيست آي» في لندن ليروي لنا قصته، سلوكه المتواضع والخجول يتناقض مع شخصية الرجل الصامد في مثاليته، القوي في دفاعه عن حقوق الإنسان، والمتحمس في سعيه لمستقبل أفضل لبلاده.

بدأ من خلال شرحه لجذوره العائلية، يحيى ولد في عام 1980 في منطقة عسير، وهي منطقة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية حيث قاومت القبائل الأصلية بشراسة مساعي توحيد المملكة التي قادتها أسرة آل سعود الوهابية في أوائل القرن الـ20، وشكّل صراع الأجيال التجربة الجوهرية الأولى للشاب يحيى.

«جدتي تكره النظام، وهي تشير إليه على أنه يحتل الأرض، وإن عسير كانت مكانًا أفضل بكثير للعيش قبل انتشار الوهابية»، قالها يحيى ملمحًا بذلك إلى الفكر الإسلامي المحافظ المتطرف الذي يحكم من خلاله ملوك السعودية، ولكن مع ذلك، كان جيل والد يحيى أحد الأجيال التي استفادت كثيرًا من الثروة النفطية التي وزعتها العائلة المالكة، مما أدى إلى تغيير نظرتهم كليًا حول حكام البلاد، فيقول يحيى «جيل والدي يعتقد أن الحكومة تساعد الناس لأنها تعطيهم المال، إنهم لا يعرفون من أين تأتي هذه الأموال، ولكن الأموال جعلتهم ينظرون إلى العائلة الحاكمة بشكل إيجابي».

هذه الآراء المتعارضة ما بين الأجيال أجبرت يحيى على طرح الكثير من الأسئلة، وفي سن مبكرة من حياته كانت وجهات نظره تعكس إلى حد كبير ما كان شائعًا في ذاك الوقت بالمجتمع، حيث كان يرى أن أكبر تهديد يواجه المملكة العربية السعودية هو الثقافة الغربية، والتي من شأنها أن تدمر ثقافة المملكة إذا ما سُمح لها بالانتشار.

بعد الانتهاء من التعليم الثانوي في سن الـ18 عامًا، انتقل يحيى إلى العاصمة الرياض وانضم الى سلاح الجو الملكي بهدف أن يصبح طيارًا، «كان حلمي أن أصبح طيارًا منذ كنت طفلاً صغيرًا»، قالها «يحيى» بابتسامة تحولت بسرعة إلى نظرة فيها الكثير من خيبة الأمل.

بعد 14 ساعة من الطيران لم يستطع يحيى اجتياز التدريب الجوي، وقيل له إنه لا يمكنه أن يصبح طيارًا، وبدلاً من ترك الجيش، تقدم بنجاح على وظيفة في الإدارة العسكرية، وحصل على شهادة في مجال الخدمات اللوجستية في عام 2004، وعند هذه النقطة كانت السياسة وحقوق الإنسان بعيدتان كل البعد عن تفكير يحيى، كون الكسب المادي والحصول على راتب جيد ووظيفة جيدة هو ما كان يشغل تفكيره، ولكن هذه الأفكار لن تستمر طويلاً، حيث ستعمل الخطوة التالية في حياة يحيى على إعادة تشكيل مركز اهتمامه.

انتقل يحيى إلى الطائف، وهي مدينة على سفوح جبال السروات في منطقة مكة المكرمة، وهناك كان يستمع إلى مشاكل 300 شخص كانوا يعملون معه في ذات السرب، ويذكر يحيى أن أغلب زملائه استحصلوا على قروض مصرفية، وفي نهاية كل شهر لم يكن يتبقى معهم ما يكفي من المال للمعيشة نتيجة للأقساط المترتبة على هذه القروض، ويقول يحيى «كان هؤلاء الرجال يأتون إلي ويسألونني: أين هي أموالنا؟ لماذا العائلة المالكة غنية للغاية، والمواطنون فقراء للغاية؟» ويضيف شارحًا «80% من الرجال في السرب الذي أعمل به، وبعضهم موظف منذ أكثر من 30 عامًا، يسكنون في منازل مستأجرة لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء منازلهم الخاصة».

من الصعب الحصول على الإحصائيات الرسمية في المملكة السعودية، ولكن الغضب حول تدني الرواتب يمكن أن نلمسه من خلال هاشتاج توتير «#الراتب_مايكفي_الحاجة» الذي انتشر كالنار في الهشيم في سبتمبر 2013، وجذب الملايين من التغريدات، وبشكل عام تقدر نسبة مُلاك المنازل في المملكة العربية السعودية بـ 25%، وتُقدر نسبة البطالة ما بين الشباب الذي يبلغ من 16 إلى 29 عامًا بـ 29%.

بالنسبة ليحيى الذي كان يبلغ 24 عامًا، كان الاستماع إلى مشاكل الفقر التي يطرحها زملاؤه، وشهادته على الفقر الذي تعيش فيه الطائف، كفيلاً باستثارة الأسئلة في داخله حول هذه القضايا، حيث سأل نفسه «لماذا صوت الشعب مكتوم؟ لماذا لا تقاسمنا العائلة المالكة مقتدرات البلاد؟ لماذا لا يمكننا أن نعبر عن رأينا؟» ويضيف «كان بإمكاني التفكير بهذه الأمور في أعماقي فقط، كوني أدرك أنني إذا ناقشت هذه القضايا مع أي شخص سينتهي بي المطاف في السجن».

يصف «يحيى» نفسه كشخص حساس، لا يمكنه تجاهل معاناة من حوله على الرغم من أن حياته الخاصة كانت مريحة، وكان يتقدم بسرعة في وظيفته، حيث تمت ترقيته ليصبح ضابطًا كبيرًا في سلاح الجوية، مما حقق له دخلاً ممتازًا، وخلال هذه الفترة استطاع يحيى مقاومة الرغبة في إشاعة تساؤلاته، حيث ظلت المناقشات السياسية حبيسة صدره، ولكن في عام 2004، وأثناء تصفحه للإنترنت في أحد الأمسيات، وجد يحيى سلسلة من المواقع والمنتديات باللغة العربية كان الناس يتناقشون فيها بالسياسة.

الصحوة السياسية

بدون تفكير بالمخاطر التي قد تنطوي على هذه المغامرة، أنشأ يحيى حساب تحت اسم مستعار «أبو فارس»، وهو الاسم الذي يحبه بشدة، ووضع الأسد كصورة شخصية له، ومنذ ذاك الحين أصبحت المنتديات الإلكترونية مكانه المفضل لاستكشاف هويته وللنقاش السياسي مع أترابه السعوديين، حيث استطاع أبو فارس التعبير عن نفسه بحرية لأول مرة، وكتب مقالات تركز على الفقر والبطالة، ويشير يحيى إلى هذه التجربة بقوله «لقد كان من المثير حقًا أن أستطيع التعبير عن رأيي»، وأضاف أن السياسة الداخلية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كانا من أهم القضايا بالنسبة له في ذاك الوقت.

هذا الجزء من حياته كان سريًا تمامًا، ولم يعرف أحد به، ولكن هذه السرية انتهت في عام 2005 عندما تزوج جميلة، التي كانت أول شخص يفصح له يحيى عن شخصيته المستترة بـ«أبو فارس»، والتي تحمل أفكار صحوته السياسية، ويقول يحيى عن علاقة جميلة بشخصيته السياسية «زوجتي كانت تنزعج وتغضب وتقول لي: لا أحد يعرفك، أنت تهدر وقتك»، ولكن بعد أن تقرأ مقالاتي كانت تقول لي: «رائع، أنا فخورة بك جدًا، استمر».

بعد عام من الزواج كان يحيى على استعداد لتحمل مخاطر أكبر للمشاركة في الحياة السياسية، ومن خلال المنتديات استطاع أن يتعرف على «سعود الهاشمي»، وهو ناشط سعودي في حقوق الإنسان تم اعتقاله وسجنه في عام 2011 لمدة 30 عامًا، كونه أُدين ظلمًا بدعم الإرهاب وفقُا لتقرير منظمة العفو الدولية.

يصف «يحيى» «الهاشمي» كشخصية محورية في حياته، ويقول إنه شخص يتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع في سعيه لتوحيد المعارضة السعودية الناشئة والمتفرقة، حيث تناهى لسمع يحيى أن الهاشمي افتتح منتدى عام أسبوعي ضمن منزله في جدة، وحضر إليه يحيى خمس أو ست مرات، ومن الضيوف كان القيادي في حركة حماس الفلسطينية خالد مشعل، وراشد الغنوشي من حركة النهضة في تونس، علمًا بأن المشاركين كانوا يحضرون بشكل مجهول، ولا يتقاسمون أسمائهم الحقيقة، إلا أن الهاشمي كان يحتفظ بسجل للحضور، وفي عام 2007 كان اعتقال الهاشمي بمثابة «إطفاء النور» بالنسبة ليحيى، حيث اتهم الحكومة حينها بالكذب عندما اتهمت «الهاشمي» بتمويل الإرهاب.

يقول «يحيى» «كنت أعلم أن هذا الاتهام كاذب، سعود ظهر على التلفزيون الحكومي للدعوة إلى التبرع لمساعدة العراقيين الذين يعانون نتيجة للحرب الأميريكية، واستخدمت الحكومة هذه الدعوة لاتهامه بتمويل الإرهاب»، ويعتقد يحيى أن قدرة «الهاشمي» على توحيد الحركات السياسية السرية في المملكة العربية السعودية هي التي أودت لاعتقاله «رغبته في توحيد الشعب كانت خطيرة على الحكومة، ولكنها كانت رغبة عظيمة بالنسبة للشعب»، قالها يحيى متهمًا الحكومة باتباع سياسة طويلة الأجل لزرع الفتنة بين الناس وتعزيز الطائفية بين السنة والشيعة وتشجيع الانقسامات بين الليبراليين والإسلاميين.

في خضم الاضطراب الناجم عن اعتقال الهاشمي، استطاع يحيى الحفاظ على صورة الضابط العسكري الملتزم بعمله، وفي ذاك الوقت استطاع تحصيل على ما يكفي من المال لشراء منزل جيد لعائلته. وفي 2007 رزق بأول مولود له الطفلة لبنى، وسرعان ما تبعها المولود الذكر الذي أسماه «فارس» تيمنًا باسمه المستعار على الإنترنت، ورغم مسؤولياته العائلية التي تعاظمت بولادة الطفلين، ورغم عمله المرهق في سلاح الجوية، استطاع أبو فارس أن يواصل نشاطه على الإنترنت، وعاش حياة مزدوجة تذكرنا بونستون سميث بطل رواية المبدع جورج أورويل المسماة «عام 1984»، ويصف يحيى حياته في تلك الفترة بقوله «لقد كنت أعيش شخصيتين، خلال ساعات النهار كنت ضابط بالقوات الجوية، وفي الساعة الخامسة مساء أعود إلى منزلي، أسجل الدخول إلى الإنترنت، وأباشر بمناقشة السياسة في المنتديات».

إن مناقشة «يحيى» بالسياسة كانت تحمل في طياتها خطرًا داهمًا بالاعتقال والحبس، وتمثل هذا الخطر بشكل كبير أمام أعين «يحيى» في أحد أيام العمل في نهاية عام 2008 عندما استدعته المخابرات الجوية لاستجوابه، وسألوه عن شخصية «أبو فارس»، ويذكر «يحيى» أن ضباط المخابرات العسكرية تلقوا من عملائهم المدنيين بريد إلكتروني يستفسر عن يحيى وعمّا إذا كان يكتب بالسياسة تحت اسم «أبو فارس»، ويقول يحيى عن هذه اللحظة «لقد كنت خائفًا جدًا، أنكرت معرفتي بأي شيء يتكلمون عنه، لأنني أدرك أن اكتشافي، يعني احتمالية اعتقالي وحبسي مدى الحياة».

لحسن الحظ استطاع سجل «يحيى» المثالي في العمل إقناع الضباط في المخابرات بصحة الإنكار، وبعد وقت قصير من استدعائه من قِبل المخابرات، شعر «يحيى» بالراحة بعد الوضع الخانق الذي كان يحيط به، وذلك عندما تم اختياره للعمل على صفقة مربحة بين المملكة العربية السعودية وشركة الأسلحة البريطانية «BAE Systems».

التظاهر في لندن

في بداية عام 2009 سافر «يحيى» إلى المملكة المتحدة لمدة 18 شهرا ليخضع لتدريب في مجال الخدمات اللوجستية المتعلقة بالصفقة السعودية مع شركة «BAE Systems» لشراء 72 مقاتلة تايفون بقيمه 4.5 مليار جنيه إسترليني، وفي لندن التقى معارضين سعوديين يعيشون في المنفى لكنه خلص إلى أن قناعاتهم السياسية - سواء الليبراليين منهم أو الإسلاميين - غير جذابة، لأن «يحيى» لا يُصنف نفسه ضمن مجموعة أو فئة عندما يتعلق الأمر بالسياسة، ويفضل بدلاً من ذلك التمسك بمبدئين أساسيين، حيث يقول «أنا أؤمن بقوة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكني أؤمن بقوة أيضًا بعدم وجود خلاف بين تلك القيم والإسلام»، وحاول «يحيى» البحث عن منظمة سعودية تؤمن بهذه المبادئ بالداخل السعودي أو بالخارج ولكن دون جدوى.

خلال فترة وجوده في لندن استغل «يحيى» الفرصة للمشاركة في احتجاجات جرت في المملكة المتحدة، للتنديد بالحرب الإسرائيلية على غزة 2008-2009 المعروفة باسم عملية الرصاص المصبوب والتي خلفت نحو 1400 قتيل فلسطيني، وعلى الرغم من بعده آلاف الأميال عن متناول السلطات السعودية، بقي يحيى خائفًا من تداعيات مشاركته في المظاهرة، حيث عمد لتغطية وجهه في مسيرة لندن، وقال شارحًا «لا يهم أنك خرجت احتجاجًا من أجل فلسطين وهو سبب تدعمه الحكومة السعودية علنًا، كون التظاهر ممنوع في بلادنا، وإذا شاركت في احتجاج في لندن، فإن الحكومة تخشى أن يروق لك الموضوع وتعمل على ممارسته في دولتك».

بغض النظر عن تجربته الجديدة في المشاركة بالاحتجاج العام، كان «يحيى» مستمتعًا بالتدريب الذي يتلقاه من شركة «BAE»، وعندما انتهت دورته التدريبية، طلب من حكومته البقاء للحصول على شهادة عليا في مجال الخدمات اللوجستية من جامعة لينكولن، وتم رفض طلبه من قبل سلاح الجو السعودي، وفي منتصف عام 2010 عاد إلى المملكة العربية السعودية.

على مدى العامين التاليين كافح «يحيى» للعودة إلى حياته القديمة كضابط بالقوات الجوية خلال ساعات النهار، ومعارض سياسي مجهول على الإنترنت خلال الليل، وفي النهاية تمكّن من الاستقالة من سلاح الجو في عام 2012، وكان أول قرار يتخذه بعد الاستقالة تغيير اسمه على الإنترنت من «أبو فارس» إلى «يحيى عسيري»، وتغيير صورة الأسد ليضع مكانها صورته الشخصية، هذا التصرف الذي ساعده على التخلص من عبء الحياة السرية، ولكنه بذات الوقت كان مكلفًا، لأنه أصبح يتوقع في أي لحظة القبض عليه ووضعه بالسجن لفترة قد تطول.

طال الوقت قبل أن يدق الاعتقال أو المساءلة أبواب «يحيى»، وبعد فشله في العثور على وظيفة جديدة في السعودية، نتيجة للشائعات التي انتشرت حول أنشطته السياسية - كما يقول يحيى -، وجد دورة في مجال حقوق الإنسان في جامعة كينغستون في لندن، واستطاع التقدم إلى الدورة بنجاح، وفعلاً سافر وعائلته الصغيرة إلى المملكة المتحدة في بداية عام 2013 بتأشيرة طالب، وكله أمل أن يعود إلى المملكة العربية السعودية عقب الانتهاء من دراسته؛ فعلى الرغم من اعتقال بعض الناشطين السياسيين في السعودية، إلا أن بعض أصدقائه الناشطين كان يُسمح لهم بالعمل، وإن كان تحت المراقبة الدائمة.

ولكن أثناء دراسته في مجال حقوق الإنسان في «كينغستون» تدهور وضع ناشطي حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بسرعة، حيث شاهد «يحيى» اعتقال عدد كبير من الناشطين الذين يعرفهم وزجهم بالسجون بأحكام حبس مطولة، هذا الوضع المزري حفّز يحيى للتفكير في طلب اللجوء السياسي في المملكة المتحدة، وهو القرار الذي اتخذه بعد أن ألقت السلطات السعودية القبض على صديقه المقرب وزميله الناشط في مجال حقوق الإنسان «وليد أبو الخير» في أبريل 2014، وبعد توارد الأخبار إليه من زملائه حول سؤال قوات الأمن عنه في السعودية، الأمر الذي أصبح معه العودة إلى السعودية تعني مواجهة الاعتقال والحبس حتمًا.

تكوين حياة جديدة في المملكة المتحدة

رغم أن «يحيى» طلب اللجوء السياسي في المملكة المتحدة في ذات الشهر الذي أُلقي فيه القبض على أبو الخير، إلا أنهن مايزال حتى الآن بانتظار قبول طلبه، وهو واثق من قبوله كلاجئ، كونه فعلاً أحد الأشخاص الذين قد تتعرض سلامتهم للخطر فيما إذا عاد إلى بلاده، ولكن الحياة بالنسبة له هنا بعيدة كل البعد عن الحياة الفاخرة التي كان يتمتع بها كضابط بالقوات الجوية؛ فيحيى لا يسمح له بالعمل في بريطانيا، وبدون دخل نفذت مدخراته، وهو يعتمد الآن على أموال الرعاية الاجتماعية الحكومية التي يصعب أن تكفي أسرته الصغيرة، ويقول «يحيى»: «اعتدنا أن نكون أثرياء، لقد كانت لدينا سيارات جيدة، ومنزل جميل في المملكة العربية السعودية، الآن نحن هنا في المملكة المتحدة، لاجئون نعيش على الرعاية الاجتماعية الحكومية، ليس لدينا أي شيء».

على الرغم مما تقدم، يرى «يحيى» أن تضحياته كانت مجدية لمتابعة كفاحه من أجل حقوق الإنسان، حيث أنشأ في بريطانيا منظمته الخاصة لحقوق الإنسان في أغسطس من العام الماضي وأسماها «القِسْط» وهو اسم اختاره بعناية لضمان فهم السعوديين لأهداف المنظمة، كون السلطات عادة ما تشير إلى المنظمات والجماعات الدولية لحقوق الإنسان على أنها تحاول فرض القيم الغربية على المملكة المحافظة، وهذا ما دفعه لاختيار اسم «القسط» باعتباره مصطلح قرآني بمعنى العدالة؛ وبذلك لا يمكن لأحد أن يقول إن هذه المنظمة لحقوق الإنسان تستهدف ثقافة الشعب السعودي الدينية.

يتم إدارة المنظمة بجهود تطوعية، على الرغم من أن «يحيى» يسعى حاليًا للحصول على بعض التمويل، وتعمل المنظمة مع شبكة من الناشطين السريين في الداخل السعودي لمواكبة التطورات هناك، كما أنشأت المنظمة ثماني مجموعات على تطبيق «تيليغرام» تغطي مواضيع مختلفة بما في ذلك حقوق المرأة والفقر وقضايا إقليمية محددة، وعلى تويتر حظيت المنظمة بأكثر من 42.000 متابع رغم عدم تجاوز عدد تغريداتها الـ100 تغريدة فقط.

يقول «يحيى»: «أعتقد أن القسط ستصبح أهم منظمة تُعنى بحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، لأننا - السعوديون - أقدر الناس على فهم المشاكل المعقدة التي تواجه بلادنا»، ويستخدم «يحيى» عقوبة الإعدام كمثال لشرح نهجه في الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث يقول «نريد أن يعرف الناس أن قيم حقوق الإنسان ليست ضد القرآن، نريدهم أن يفهموا أن هذه العقوبة (عقوبة الإعدام) هدفها ردع النشاط الإجرامي، ولكن في المملكة العربية السعودية لاتزال نسبة الجرائم بارتفاع، وإذا كان من غير الممكن أن تتوقف الجريمة باستخدام هذا الرادع، فعلينا أن نفكر ما هو الخطأ؟ غالبًا ما يتم إعدم الأفراد في المملكة العربية السعودية دون محاكمات عادلة، وهذا الظلم مرتبط بالنظام السعودي وليس بالقرآن».

يقول «يحيى» إنه تتم مهاجمته على وسائل الاعلام الاجتماعية من قِبل حسابات تديرها الحكومة، وخاصة بعد أن ظهر في لقاء على قناة فرانس 24 التلفزيونية، وهاجم انتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وبعد المقابلة اشتعل هاشتاج «#يحيى_العسيري_يمثل_الشعب» بسرعة كبيرة، ولكن في اليوم التالي، تم إغراق الهاشتاج بعبارات مسيئة موجهة إلى يحيى من حسابات تويتر معظمها مجهولة المصدر، يشير يحيى إلى إنها حكومية.

يعلق يحيى تفاؤله على جيل الشباب الذي لديه إمكانية الوصول وإيصال المعلومات - من خلال الإنترنت - بطرق جديدة، وهذا ما يجعلهم أقل عرضة لقبول الوضع الراهن الذي يتميز بارتفاع البطالة وانتشار الفقر، ويعتقد أن الوضع لن يستمر كما هو الآن؛ فالجيل الجديد لن يظل صامتًا كما كان الذي قبله، لأن الجيل القديم كان صامتًا لانعدام آليات التواصل، أما الآن فالجيل الجديد لديه آلياته ولديه العدة التي يتواصل بها لتعبئة الأجيال الجديدة الغاضبة، هذا الغضب -كما يقول يحيى- وصل إلى الأثرياء الذين صنعتهم الحكومة، الذين سئموا من تصرفات الحكام.

عند الضغط عليه وسؤاله فيما إذا كان يتصور حدوث تغييرات هيكلية في المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب، صمت «يحيى» هنيهة وفكر بتركيز، وأجاب بعدها بثقة «التغيير آتٍ باعتقادي، في السنوات الخمس أو العشرة المقبلة، يجب أن يحدث إصلاح حقيقي أو سيطيح الشعب بالعائلة المالكة».

* روري دوناغي  صحفي بموقع ميدل إيست آي، يكتب للغارديان وهفنغتن بوست، ومواقع أخرى.  

  كلمات مفتاحية

السعودية حقوق الإنسان يحيى العسيري وليد أبوالخير شبكة نشطاء

الإعدامات في السعودية تضاعفت 3 مرات والعفو الدولية تطالب بوضع حد لهذا السجل ”المخزي“

ماذا قالت الناشطة السعودية «سعاد الشمري» في أول تغريدة لها بعد إطلاق سراحها؟

مركز الخليج لحقوق الإنسان يستنكر استهداف السلطات السعودية لنشطاء جمعية «حسم»

هيومن رايتس ووتش: أحكام الإدانة في قضايا التظاهر بالسعودية معيبة وغير عادلة

الحكم على وليد أبو الخير: من هو المحامي الحقوقي المؤثر الآن في السعودية؟